مقالات

الإطار المتكامل لإدارة المخاطر والمرونة المؤسسية

بقلم :.عبدالمعتني المزروعي

بقلم :.عبدالمعتني المزروعي

رغم تعدد النظم والممارسات في مجالات المخاطر والأزمات والطوارئ والحوكمة والكوارث، إلا أن غياب إطار موحد ومتكامل يؤدي في كثير من الأحيان إلى ازدواجية في الأدوار وتداخل في المهام، مما ينعكس سلبًا على كفاءة التنسيق ويضعف مستوى الاستجابة.

وهو ما أشارت إليه تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي (2019)، التي أوضحت “أن أكثر من 60% من المؤسسات حول العالم تعرضت خلال السنوات الخمس الماضية لخسائر ناجمة عن أزمات مفاجئة أثرت بشكل مباشر في عمليات سلاسل الإمداد واستمرارية الأعمال”، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى تبني استراتيجية شاملة تستند إلى مبادئ الحوكمة، توحّد الأدوار وتكامل المهام، وتعزز جاهزية المؤسسات لمواجهة التحديات عبر منظومة مرنة ومستدامة تضمن كفاءة الاستجابة واستمرارية الأعمال في بيئة متسارعة وتغير دائم تتسم بعدم اليقين..

وبالنظر إلى أن هذه المجالات تتقاطع في مهامها وتتقارب في ممارساتها وأيضا تكون أحيانا متشابه في القيم والثقافة المؤسسية، مع احتفاظ كل منها بأهداف ومفاهيم مميزة، فإن وجود إطار موحّد يُنسّق ويأطر الجهود بعيدًا عن الازدواجية بات أمرًا لا غنى عنه. حيث أشارت دراسات مثل Rahman & Ali ,2022) (Peci, Ribeiro, & Tosta ,2023) )”إلى أن اعتماد هذا النهج يعزز الجاهزية المؤسسية ويرفع كفاءة الاستجابة”، وهو ما تؤكده أيضًا معايير دولية رائدة مثل( ISO 31000 وCOSO ERM وSendai Framework وISO 45001). ومن المهم استعراض المفاهيم الرئيسة كخطوة أساسية لفهم وبناء إطار عمل شامل وفعّال، بشكل موجز كما يلي:
• إدارة المخاطر (Risk Management): تمثل البعد الاستباقي للإطار، حيث يتم تحديد المخاطر المحتملة وتقييمها باستخدام أدوات كمية ونوعية مثل مصفوفة المخاطر (Risk Matrix)، ثم وضع خطط التخفيف(MP) لمعالجة مواطن الضعف وتقليل احتمالية التأثير.
• الحوكمة والالتزام (Governance & Compliance) يشكلان الإطار التنظيمي والرقابي الذي يضمن وضوح المسؤوليات وآليات اتخاذ القرار، وتوافق الممارسات مع القوانين والأنظمة والمعايير المحلية والدولية، بما يعزز الشفافية والمساءلة ويكسب ثقة المجتمع وأصحاب المصلحة.
• السلامة والصحة المهنية (Occupational Safety & Health – OSH): تهدف إلى تهيئة بيئة عمل آمنة وصحية تقلل من الإصابات والأمراض المهنية، عبر خطط السلامة، وبرامج التوعية، والتقييم المستمر للمخاطر.
• إدارة الأمن (Security Management): تركز على حماية الأفراد والممتلكات والبيانات والمعلومات من التهديدات المتعمدة مثل السرقات والهجمات الإلكترونية، باستخدام أنظمة حماية مادية ورقمية متكاملة.
• إدارة الطوارئ (Emergency Management): تُعنى بالاستجابة الفورية للحوادث المفاجئة عبر أنظمة الإنذار المبكر، وخطط الإخلاء، والاستجابة العاجلة التي تحد من الآثار المباشرة للحوادث.
• إدارة الأزمات والكوارث (Crisis & Disaster Management): تمثل الإطار الأكثر شمولية، وتشمل دورة حياة متكاملة تبدأ بالتنبؤ والتخطيط، مرورًا بمرحلة التأهب والاستجابة، وصولًا إلى التعافي وإجراء التقييم واستخلاص الدروس المستفادة.
• استمرارية الأعمال (Business Continuity Management – BCM): تشكل الهدف النهائي للإطار، إذ تضمن استمرار العمليات الحيوية والخدمات الأساسية دون انقطاع حتى في أصعب الظروف، من خلال وضع خطط بديلة لسلاسل الإمداد، وتخصيص مواقع تشغيل احتياطية، وتبني استراتيجيات مرنة للتعافي السريع (Recovery Plans).
وبناءً على التوضيح لهذه المفاهيم، يستحسن تبني إطار عمل متكامل يعزز القدره على التعامل مع المخاطر والتحديات. ولتحقيق ذلك، يتطلب تنفيذ مجموعة من الخطوات الرئيسة، من أبرزها:
1- تعيين فريق متخصص وخبراء لتطوير وتنفيذ الإطار.
2- تقييم احتياجات المنظمة وتحديد المخاطر المحتملة.
3- وضع سياسات وإجراءات دقيقة لإدارة الأزمات والمخاطر والامتثال.
4- تدريب فرق العمل لضمان الفهم الكامل للإطار وتطبيقه بفعالية.
5- إعداد خطط طوارئ واستمرارية الاعمال واضحة وشاملة لمواجهة المخاطر والأزمات المحتملة.
6- توظيف التكنولوجيا كالذكاء الاصطناعي (Ai) وتحليل البيانات لتعزيز الإدارة والرقابة والتنبؤ.
7- تقييم أداء الإطار بشكل دوري وتطويره استنادًا إلى الدروس المستفادة.
8- تعزيز قنوات التواصل والتعاون بين الوحدات التنظيمية.
9- ضمان الامتثال والتقيد بالقوانين واللوائح المعمول بها والالتزام بالمعايير والأنظمة القياسية.
10- مراجعة وتحديث جاهزية الإطار بشكل مستمر بما يتلاءم مع المتغيرات.

إن تبني هذا الإطار المتكامل، والمستند إلى مجموعة من المعايير الدولية مثل ISO، COSO، NFPA، Sendai، NIST، ISO 22361:2022، NIMS، يُمكّن المؤسسات الحد من المخاطر وقيادة الأزمات بفعالية، وسرعة الاستجابة المتكاملة، وتعزيز الصمود والتكيف (Resilience and Adaptability) . وبذلك يتحقق ضمان استمرارية الأعمال والخدمات، والقدرة التنافسية، إلى جانب حماية الاقتصاد والمجتمع من تداعيات الأزمات والكوارث لاسمح الله.

إدارة المخاطر المؤسسية… عبء تنظيمي أم استثمار استراتيجي؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى