مقالات

القيادة المريحة: حين يُدار القرار من الخلف

أهداب المنديلي

أهداب المنديلي

تحليل لظاهرة “Wubbie” في بيئات العمل
يُشير مصطلح Wubbie في أصله إلى Comfort Object ، غرضٍ يمنح الطفل شعور الأمان، مثل بطانيته المفضّلة.

في عالم المؤسسات، استُعير المصطلح ليصف ظاهرة أكثر نضجًا… وأقل براءة: القائد الذي يجد راحته في شخصٍ داخل الفريق، يعتمد عليه نفسيًا ومهنيًا، حتى تصبح العلاقة بينهما شكلًا جديدًا من التبعية المقنّعة.
الـWubbie هو موظف كفؤ يتجاوز حدوده التنفيذية ليصبح مصدر الطمأنينة والدعم للقائد.

هو من يفسّر المواقف، ويُصلح ما لا يُقال، ويغلق الفجوات التي يتركها القائد دون وعي.
غالبًا ما يكون مؤهلًا لقيادة الفريق، لكنه يفضّل الظل على الضوء، حفاظًا على استقرارٍ هشّ يتعلّق به الجميع.

هشاشة الثقة القيادية تجعل القائد غير الجاهز يبحث عن من يُطمئنه من الفشل، لا من يدفعه للتطور.
وفوضى الهيكل التنظيمي تدفع القرارات للمرور عبر العلاقات بدل الأنظمة.

أما ثقافة الراحة الإدارية، فتميل إلى مكافأة العلاقات المريحة أكثر من الكفاءات المستقلة.
وفي النهاية، تُجمّد الكفاءات حين تُترك في الظل لأن وجودها المريح أهم من تطورها المهني.

نتائج هذه الظاهرة لا تتأخر في الظهور:
تضارب في الصلاحيات يجعل من الصعب معرفة من يقود فعليًا.
ضمور في المهارة القيادية لأن القائد لا يتعلم من قراراته الخاصة.
استنزاف للموظف المساند الذي يعمل فوق طاقته دون حماية أو مقابل عادل.

وفي العمق، تتكوّن مؤسسة تعتمد على الأشخاص لا على النظام، وعلى العاطفة أكثر من الحوكمة.
الانتقال نحو الاستقلالية يبدأ بتوثيق الحوكمة، وإعادة تحديد الصلاحيات والمسؤوليات بدقة.

ثم بقياس النضج القيادي، بحيث لا يُكتفى بتقييم الأداء بل تُقاس قدرة القائد على اتخاذ القرار بثقة.
بعدها، يجب تحويل الدعم غير الرسمي إلى مسار تطويرٍ واضحٍ للكفاءات، وتعزيز ثقافة شفافة تكافئ الوضوح لا التبعية الهادئة.

مصطلح Wubbie، رغم أصله الطفولي، يصف بدقّة أحد أكثر مظاهر القيادة “المريحة” في المؤسسات الحديثة.
فحين يجد القائد راحته المطلقة في موظفٍ يُكمّله سِرًّا، بدلًا من أن يبني منظومةً تمكّنه علنًا، نكون قد بلغنا ذروة الكفاءة القيادية… في التخفي.

القيادة الحقيقية لا تُقاس بمدى الراحة التي تمنحها شبكة العلاقات، بل بمتانة النظام الذي يسمح للنظام بالنوم الهادئ دون الحاجة إلى “بطّانية” بشرية.
تهانينا للقادة الذين اختصروا رحلة تطوير الذات في تجربةٍ أكثر بساطة: الاعتماد الشخصي بدل التنظيم المؤسسي.

لقد أبدلوا مشقّة بناء الثقة بمُتعة الطمأنينة، وكأنّ الاستقرار لا يُدار بالإدارة… بل بالاحتواء.

من المسمّى إلى المهارة: لماذا يتغيّر منطق العمل ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى