من المسمّى إلى المهارة: لماذا يتغيّر منطق العمل ؟


بقلم :أهداب المنديلي
تتحرك بيئات العمل اليوم بسرعة لا تشبه الأمس.
الفِرق تتبدل، والمشاريع تتغيّر، والتقنية تعيد تعريف ما نُتقنه كل بضعة أشهر.
وسط هذا الإيقاع المتسارع، بدأت المؤسسات تُدرك أن المسميات الوظيفية لم تعد تعكس الواقع، وأن السؤال الأهم لم يعد:
ما وظيفتك؟
بل: ما الذي تستطيع فعله الآن؟
تصف ديلويت (2024) هذا التحول بأنه انتقال من “العمل داخل حدود” إلى “العمل بلا حدود”.
فالمؤسسات الحديثة لم تعد تُدار بالهيكل الوظيفي، بل بالقدرة على توظيف المهارات الصحيحة في اللحظة المناسبة.
القيمة اليوم لم تعد في ثبات الدور، بل في مرونة المهارة وقدرتها على التكيّف مع تغير احتياجات السوق.
ويشير المنتدى الاقتصادي العالمي (2025) إلى أن نحو 39٪ من المهارات الأساسية المطلوبة في الوظائف الحالية ستتغيّر بحلول عام 2030.
هذا الرقم لا يعني فقط أن بعض الوظائف ستختفي، بل أن جوهر العمل ذاته يتبدّل.
من يعتمد على “الوصف الوظيفي” وحده، يدير الغد بمعايير الأمس.
أما المؤسسات التي ترى المهارات كأصلٍ استراتيجي، فهي التي تنجح في إعادة توزيع كفاءاتها بسرعة وتحويل التحديات إلى فرص.
وتُظهر بيانات LinkedIn Economic Graph (2025) أن التوظيف القائم على المهارات يوسّع قاعدة المرشحين بنسبة تصل إلى 5.8 أضعاف في بعض القطاعات، خاصة في الأسواق المتحركة مثل السعودية، حيث تنمو قطاعات الترفيه والمطاعم والضيافة بسرعة وتعيد تعريف مفهوم الدور نفسه:
فالمشرف يصبح مدرّبًا، والطاهي يتحول إلى مقيم جودة، والموظف يتنقّل بين خدمة العملاء وتحليل البيانات.
هذه المرونة لم تعد خيارًا، بل لغة البقاء في سوق سريع التغير.
التحول نحو “ذكاء المهارات” لا يعني إلغاء الوظائف، بل إعادة ترتيبها حول القيمة الفعلية.
أن تُسند المهام إلى من يملك الكفاءة، لا إلى من يملك المسمّى.
أن يُرى الموظف كمجموعة من القدرات القابلة للنمو، لا كدورٍ جامدٍ في الهيكل.
حين يحدث هذا التحول، يصبح العمل أكثر إنسانية، وأكثر قدرة على التجدّد والاستمرار.
الخلاصة:
المستقبل لا يسأل: “ما منصبك؟”
بل: “ما القيمة التي يمكنك إضافتها اليوم؟”
وكل منظمة تفهم هذا التحول مبكرًا، تُصبح أذكى في بناء رأس مالها البشري، وأقدر على المنافسة في سوقٍ تصنعه المهارات لا المسميات.