الضرورات الخمس الكلية


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : إنَّ مما اتفقت عليه جميع الشرائع الإلهية المحافظة على الضرورات الخمس ؛ قال الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات ج1 / 38 : ” فقد اتفقت الأمة ؛ بل سائر الملل على أنَّ الشريعةَ وُضِعَت للمحافظة على الضروريات الخمس : وهي الدين ، والنَّفس ، والنسل ، والمال ، والعقل ” انتهى .
والمتأمل في كتاب الله تعالى يجد أنَّ الله تعالى كثيراً ما يقرن بين ثلاثٍ من كبائر الذنوب ، وهي الشرك بالله ، والقتل ، والزنا ، وذلك لشناعتها ، وعظيم أثرها في تدمير الأمم ، وإهلاك الشعوب ؛ لما تشتمل عليه من قتلٍ للفطرة السليمة ، والأخلاق الكريمة ، والنَّفس الثمينة .
والمجتمع الذي تعيش فيه هذه الجرائم مجتمعٌ مهدَّدٌ بالدمار والهلاك ؛ حيث فقدَ مقوماتِ المجتمع الأساسية ؛ لذلك اندثرت كثيرٌ من الحضارات الغابرة حتى لم يعد لها وجودٌ البتة ، والناظر في أسباب هذا الانهيار ، والاحتضار السريع يجده لا يخرج عن التفريط في حفظ هذه الضروريات الخمس ، فبناءَ الشريعةُ الإسلامية على هذه الضروريات لم يكن عبثاً ، ولا تخرصاً ، وإنما هو محضُ الحكمة ، وعينُ المصلحة .
وإليك أخي القارئ شيئاً موجزاً عن هذه الضروريات الخمس التي يجب المحافظة عليها ، والحذر من الأسباب المخلة بها ، وهي على النحو التالي : –
أولاً : حفظ الدين : إذ خلق الله الخلق لإقامته ، وسخر الله النعم كلها لرعايته والاهتمام به ، فبالمحافظة على الدين الإسلامي الحياة الحقيقية ، وسعادتهم الأبدية دنياً وأخرى ما توفر فيه شيئان الإخلاص لله ، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على منهج سلف الأمة رضوان الله عليهم عقيدةً ، وعبادةً ، ومعاملةً ، وأخلاقاً وسلوكاً ؛ فنحن أهل الاسلام مأمورون بإقامة أركان ديننا الإسلامي ، وتثبيت قواعده عملاً ، وحكماً ، ودعوةً ، وجهاداً ، ونحن منهيون عن ارتكاب كل جرمٍ ، وإفسادٍ ينتج عنه نقصاً في ديننا من البدع والمعاصي ، ونحن منهيون عن كل ذنبٍ وخطيئةٍ يذهب معها إيماننا ، ويُنقضُ بها إسلامنا بكفرٍ ، وردةٍ ، ونفاقٍ ، وشرك وصدق الله تعالى إذ يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [ المائدة : 54 ] .
ثانياً : حفظ النَّفس : حيث كرَّم الله الإنسان ، وخلقه في أحسن صورة ، وصان دمه من القتل ؛ فما دونه ، فالنفس الإنسانية أمانةٌ عند صاحبها ، ويجب عليه حمايتها من كل ما يؤذيها ، ويتسبب في هلاكها ، أو الاعتداءُ على الآخرين ، والتسبب في أذيتهم ، وجعل ذلك من كبائر الذنوب ؛ التي يلام عليها فاعلها ، ولذا قال تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) [ النساء : 93 ] وقال تعالى : ( وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [ البقرة : 190 ] .
ثالثاً : حفظ النسل أو العرض : حيث شُرِعَ النكاح الصحيح ، ورغب في استمرار النسل البشري ، وبقائه ؛ وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة ، لتعمر الأرض بساكنيها ، وليُذكر الله في أرجائها ، ولتكون الأمةُ قويةً ما دام فيها رجالها ، وشبابها الذين يدافعون عن دينهم ، وعن الخيرات والنعم في بلدانهم ، ونهى الإسلام عن ترك الزواج الشرعي مع الرغبة فيه ، واستبداله بمقارفة الفواحش من الزنا واللواط ، وأسبابه المؤدية إليه من النظر المحرم ، والخلوة بالمرأة الأجنية ، وتبرجها وسفورها ، وغيرها من الأسباب رعايةً لأعراض الناس ، وعدم الوقوع فيها ، وقد قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا ) [ الإسراء : 32 ] .
رابعاً : حفظ العقل : الذي هو من أكبر النعم ، وأعظمها على الإنسان ؛ إذ بالعقل السليم يعبد العبد ربه ، وبالعقل السليم يحافظ الإنسان على نفسه ، وأهله ، وأولاده ؛ وبالعقل السليم يحذر الإنسان من أن يعتدي على نفسه ، وعلى غيره ؛ وبالعقل السليم يقوم المرء بشؤون دنياه ، وينفع نفسه ، ومجتمعه ، ووطنه ، فإذا فُقِدَ العقل صار الإنسان كالبهيمة العجماء التي تقع فيما يضرها ، وتترك ما ينفعها ، ولذا صانت شريعة الإسلام العقل عن كل ما يؤثر عليه من المفسدات الحسية الشهوانية كالخمور ، والمخدرات ، والمسكرات ، ومن المفسدات المعنوية من الأفكار الفاسدة والشبهات المضلة الباطلة ؛ حتى لايقع المسلم ضحيةً للفساد الأخلاقي والعقدي الذي يخرج به عن دائرة الإنسان السوي في عقله ودينه ، وصدق الله تعالى إذ يقول : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضــــــاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) [ المائدة : 90 – 91 ] وقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) [ النور : 63 ] .
خامساً : حفظ المال ، فالمال هو كلُّ ما يتموله الإنسان من متاعٍ ، ونقودٍ أو نحوهما ، والمال هو عصب الحياة كما يقال ، والناس بحاجةٍ إليه أفراداً ، وجماعاتٍ ، فيجب أن يكسبه الإنسان ماله من وجهٍ حلالٍ ، وينفقه في أوجهٍ مباحة ، ويحرم الاعتداء على أموال الناس بالسرقة ، والرشوة ، والربا ، وغيرها من المكاسب المحرمة ، وقد قال الله تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ البقرة : 188 ] وقال صلى الله عليه وسلم : { لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ } رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسنٌ صحيح ، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم 7300 .
أخي القارئ الفاضل : هذه هي الضرورات الخمس التي أمر الله بحفظها ، ورعايتها ، ونهى الناس عن إهمالها ، وإضاعتها ، فقوموا بها أتم قيام ؛ طاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولتنالوا بالمحافظة عليها خيري الدنيا والآخرة ، نسأل الله علما نافعاً ، ورزقاً واسعاً ، وعملاً متقبلاً ، وجنةً من الله ورضواناً ؛ ونجاةً من عذاب القبر والنار ، ووالدينا ووالديهم ، وجميع المسلمين ؛ الأحياء منهم والميتين ؛ إنَّ ربنا أرحم الراحمين ؛ وهو الغفور الرحيم
. اللهم آمين .