الصوت

بقلم :رجاء الطويل
دعني أخبرك عن الصوت… لا، ليس ذلك الصوت الخارجي، بل الصوت الذي لا يُسمع إلا إذا أنصت الإنسان لداخله.
صوت لا يتحدث بصخب، بل يهمس بهدوء.لا يخرج من الأفواه، بل يصدر من الأعماق.
يرافقنا في خلوتنا، ويذكرنا بالصواب، وينهانا عن الخطأ، ويطرح على القلب أسئلة لا يمكن تجاهلها:
لماذا فعلت؟ لِمَ سكت؟ لماذا كذبت وخنت؟
وهنا نطرح سؤالًا عميقًا: لماذا بعض الناس المؤذيين لا يرون أنفسهم مؤذيين؟ ولماذا يتمادى البعض في الخطأ دون شعور بالذنب؟
لماذا يرتكبون الخطأ مرارًا ثم يقنعون أنفسهم أنهم على صواب؟
الجواب يكمن في طبيعة العلاقة بين الإنسان وذنبه.
هناك مرحلتان أساسيتان يمرّ بهما الإنسان حين يخطئ:
المرحلة الأولى:
الصراع الداخلي
في البداية يكون الإنسان مدركًا لما فعل، يعلم تمامًا أن ما قام به خطأ، ويشعر بالصراع بين قوتين داخليتين:
النفس الأمّارة بالسوء، تلك التي تدفعه نحو الخطأ وتُزيّن له المعصية وتُبرّر له الأذى، وبين النفس اللوّامة التي تقاوم.
هذا الصراع قد يستمر طويلاً، لكنه مرهق، لا يستطيع الإنسان تحمّله لفترات طويلة؛ فإما أن يُصغي لذلك الصوت أو يُسكته.
وهنا تبدأ المرحلة الثانية
التي تنقسم إلى أحد طريقين:
الاستجابة لصوت النفس اللوّامة: فيتوب، ويعتذر، ويُصلح من نفسه ويُغيّرها.
أو أن ينصاع للنفس الأمّارة بالسوء: فيُسكت هذا الصوت الذي يُشعره بالذنب، ويستخدم حيلًا دفاعية لا شعورية يلجأ إليها عقله لتخفيف الشعور بالذنب، وأشهرها:
الإنكار: يرفض الاعتراف، وكأن المشكلة لم تحدث، أو أن الموقف ليس بتلك الخطورة.
الإسقاط: يُلقي بخطئه على الآخرين، فيُريح ضميره مؤقتًا، وكأنه مجرد ردّ فعل لا فاعل.
التبرير: يُعطي نفسه شرعية لفعل الخطأ، ويُقنع نفسه أن سلوكه نتيجة ظروف خارجية لا قراره الشخصي؛ فقد كان مضطرًا ولم يتركوا له خيارًا آخر.
فتسكت النفس اللوّامة، ولو مؤقتًا، وهنا يكمن الخطر؛ ففي هذا الإسكات تتبلّد النفس، وتزداد المسافة بين الإنسان وفطرته، ويخرس تمامًا صوته الداخلي الفطري الذي كان يمثل حَكَمًا داخليًا يوجّهه في اتخاذ قراراته ويقيّم تصرفاته.
فحَرِيٌّ بنا أن نخاف من لحظةٍ يصمت فيها الضمير، ويألف القلب الخطأ، ويفقد يقظته، وتنحرف عن جادّة الصواب بوصلته.
فاختر بوعي أيَّ النفسين تُنصت لها.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾
سورة الشمس: 9–10



