التخطي الهادئ بين الإيجابية والسلبية


بقلم : نجلاء عمر بصفر
لطالما كَثُر الحديث عنها، ولطالما نظر المنظّرون حولها، ولطالما اعتبروك لست من أهلها، ولطالما… ولطالما إلى ما لا نهاية له من الحديث عنها وتشويه المفهوم بطرق مختلفة.
نعم، إنها (الإيجابية)، لكنها بدأت تحمل معنى آخر. وليس للكلمات أي ذنب فيما فعل بها البشر، وكيف أنهم وظّفوها وتعاملوا معها حسب الأهواء والأمزجة!
لطالما أردت أن أسأل: هل أنت إيجابي؟ وما مفهوم الإيجابية عندك؟ وأين تقف أنت من كل تلك التصنيفات ما بين (إيجابيين وسلبيين)؟ وهل خلت البسيطة من المشاكل والهموم لادعاء السعادة المطلقة والإيجابية المطلقة؟
ولنُعِد السؤال بصياغة أخرى قد تغيّر المعنى كليًا: هل صحيح أني سلبي، أو أنك سلبي؟ وهل صادف أن أخبرك أحدٌ يومًا بأنك سلبي؟ وما مفهوم السلبية أصلًا؟ وهل تعتبر أن السلبية اتهام صريح بالتشاؤم؟ وهل هذا يتنافى مع أن أكون حزينًا ولدي هموم كآدمي ينتمي إلى كوكب الأرض؟ أم أني ربوتا من صُنع الإنسان الذي يعاني من الهموم أو بعضها؟ هنا يختلف المعنى!
نسمع كثيرًا من الناس يقولون لبعضهم: خليك إيجابي، خليك متفائل، جاور السعداء تسعد، ابتعد عن السلبيين، دايمًا خليك ضحوكًا ومبتسمًا!
وكأننا خُلقنا روبوتات! وكأنك مطالب من أصحاب التنظير للإيجابية السامة المفرطة، التي تؤدي إلى عدم الإحساس، وعدم احترام مشاعر الآخرين، وعدم احترام أحزانهم ومخاوفهم وظروفهم.
وكأن المطلوب أن تكون بلا مشاعر ولا أحاسيس، وأن تتجاوز أزماتك بسرعة البرق، فالحياة مستمرة كما يقولون، وما أحد فاضي يسمعك أو يقف بجانبك!
وقد نسي أولئك – أو نسينا نحن – أننا بشر، وطبيعة بشريتنا تفرض علينا التخطي بهدوء، والتجاوز بحكمة. ولسنا مطالبين بالوقوف بجانب أحد، فقط فليكفِنا بعضهم شرّ لسانه وتنظيراته.
ونقول لهم: عندما يقف الأمر عندكم، هل ستقبلون بنفس التنظيرات؟ أم أن الأمور ستختلف؟
يا أصحاب التنظير، دعوا الإيجابية في حالها، ودعوا الخلق للخالق.
فالإيجابية ليست سعادة مطلقة، ولا فرحًا دائمًا، ولا إنسانًا خاليًا من الهموم، ولا إنسانًا لا يبوح لمن يشعر أن أمره مهم عند غيره، ولا إنسانًا يريد أن يركب أجنحة ليسابق السحاب.
فكونك سلبيًا، يكفيك أن تقطب حاجبيك عندما ترى ما لا يناسبك.
وكونك سلبيًا، يكفيك أنك أول منظّري الإيجابية السامة.
وكونك سلبيًا، يكفيك أنك لا تراعي ولا تحترم مشاعر الآخرين وظروفهم، وتدّعي الكمال، ولا كامل إلا الله سبحانه وتعالى.
وكونك سلبيًا، يكفيك أنك تطالب الآخر بأن ينظر إلى الجانب الممتلئ من الكوب، وقد يكون الجانب الممتلئ عندك يختلف عما هو لديه.
أنت يا عزيزي، وسط كل ما تفعل، سلبي… ولكن بشياكة مزيفة.
ونحن هنا لا ندعو إلى دوام الحزن، ولا إلى البقاء في دوامة الأزمة، وإنما ندعو المنظّرين لاحترام أزمات الآخرين، وتركهم يمرّون منها بسلام، فلكلٍّ وقته وطريقته في التعافي.
ومن هنا أيضًا نرجو منهم أن يتخطوا بسلام وهدوء وحكمة، لا أطال الله حزنهم، والحمد لله على ما أعطى ربنا ومنع.
وليختر أحدُنا جليسه وصديقه ليجده جانبه في أزمته.
لا أوقعنا الله وإياكم في أي مأزق، وأمدّنا وإياكم بالتوفيق والسعادة، وجعلنا من أصحاب الإيجابية الحقيقية الصحية.
ودمتم بود