مقالات

الرحمة بالمستأجرين

حسن بن محمد منصور الدغريري

حسن بن محمد منصور الدغريري

بسم الله الرحمن الرحيم 

 الحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :

أخي القارئ الكريم : إنَّ ديننا الإسلامي دينٌ شاملٌ وكاملٌ ونافعٌ لكل زمان ومكان ، دينٌ فيه العدل والرحمة بالعباد ، وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقه ، ومن ذلكم تنظيمه للعلاقات بين الناس بعضهم مع بعض في المعاملات التجارية ، وأن تكون على وفق شريعة الله ، المبنية على رفع الحرج والمشقة عن الناس ، ودولتنا السعودية حرسها الله تسعى بكل طريقٍ لتحقيق المصالح الدينية والدنيوية ، وما ينفع الناس ، ويحقق مصالحهم ، وما فيه صلاح أحوالهم ، ومن ذلكم ما صدر مؤخراً من ولي عهد هذه البلاد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وفقه الله من تحقيق التوازن بالقطاع العقاري في البلاد ، والذي يهدف إلى تسهيل تأمين السكن للمواطنين ، والمقيمين ، والتيسير عليهم لكونه ضرورةٌبشرية ، وحاجةٌ ملحة يحتاجها كلّ أحد ، ولا يتم ذلك إلا بالحصول على المسكن المناسب للشخص ولعائلته بأجرةٍ معقولةٍ ، ينتفع بها المؤجر ، ولا يتضرر بها المستأجر ؛ بخلاف ما هو حاصلٌ الآن من بعض أصحاب العقارات السكنية الذين دفعهم الطمع والجشع على المغالاة بأسعار الشقق ، ويقاس عليها المحلات التجارية ، وهذا خلاف شريعةِ الله الآمرة بالرحمة بالعباد ، والتيسير عليهم ، كيف وقد قال الله تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم } [ الفتح : 29 ] وقال تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] وقال صلى الله عليه وسلم : { الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ؛ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 925 وقـــال صلى الله عليه وسلم : { اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بهم فارفُقْ بِهِ } رَوَاهُ مُسلم في صحيحه ، ولا يعني الرحمة بالمستأجرين أن يحصل الضرر على المؤجرين ؛ بل لهم أن يربحوا ربحاً معقولاً من غير مغالاةٍ تضر بالمستأجرين ، أو يعجزوا عن سدادها ، والوفاء بها ؛ لكثرة التزاماتهم المالية الأخرى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : { لَا ضَرَرَ ، وَلَا ضِرَارَ } رواه ابن ماجه في سننه ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 250 وقال صلى الله عليه وسلم : { مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6372 .

فعلى ملاك العقارات السكنية أن يراقبوا الله في تصرفاتهم ، وأن يغلبوا جانب الرحمة ، والتيسير ؛ والسماحة بالمستأجرين عن الطمع والجشع ، والمغالاة الزائدة على المستأجرين ؛ ابتغاء الأجر من اللهِ ، ورحمةً بعباد اللهِ ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى } رواه البخاري في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً ، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ ، وَبَرَّ ، وَصَدَقَ } رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 1785 .

وعلى المستأجرين أن يتقوا الله في دفع المبالغ المالية التي عليهم للمؤجرين ؛ مقابل الشقق السكنية ، والمحلات التجارية التي استأجروها ، وعدم المماطلة والتأخير في أدائها ، وأن يحافظوا على العين المؤجرة ، ويسلموها إلى أصحابها بعد انتهاء عقد التأجير سالمةً من العيوب المخلة ، والتصرفات المشينة بالعقار المؤجر ؛ كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً } رَوَاهُ مُسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : { مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ } رَوَاهُ البخاري في صحيحه .

أخي القارئ : إنَّ الأموال من نقودٍ ، وعقارٍ ، وغيرها نعمةٌ من الله ، تنال بها الأمنيات ، وتقضى بها الحاجات ، وفتنةٌ ، وبلاءٌ في نفس الوقت لمن ألهته عن الطاعات والقربات ، وأوقعته في الآثام والسيئات ، والله سائلنا عن أموالنا ؛ كيف اكتسبناها من حلالٍ أو حرام ، وكيف أنفقناها في حقٍّ وثوابٍ أو باطلٍ وآثام ، فالكل مسؤول أمام الله عن أمواله ، وغيرها من النعم والخيرات الحسان ، وقد قال الله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ } [ الرعد : 7 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ } رواه الترمذي في سننه ، وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 946 .

نسأل الله أن يبارك لك لنا في أموالنا ، وأولادنا ، وأزواجنا ، وأن يجعلهم قرةٍ لنا ، وعوناً على طاعة ربنا ، وذكره ، وشكره ، وحسن عبادته ، وأن يجزي ولاة أمرنا خيراً على ما يقومون به من خدمة مواطنيهم ، والمقيمين في بلدانهم ؛ وأن يديم على بلادنا السعودية الأمن والإيمان ؛ وسائر النعم ، وجميع بلدان المسلمين ؛ اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق ، والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عن سيئها إلا أنت ، وآتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، ووالدينا ووالديهم ، وجميع الأهل والأحباب إنَّك أنت الرحيم التواب

 اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى