الناس مقامات


بقلم: نجلاء عمر بصفر
يقول الرافعي: (مكانك حيث أقمت نفسك لا حيث أقامك الناس)، لأن الناس لا تُقدّر ولا تزن ولا تعدل.
من هذه المقولة الجميلة والعميقة، لابد أن تبحث عمّن لا يُقدّر وجودك في حياته، ويعتبر ما تقوم به واجباً وليس تفضلاً.
الناس مقامات، ففلان أَلتمِس له العذر بل الأعذار عندما يُخطئ لأسباب لا نستطيع حصرها، وآخر إذا صدر منه تصرف يُفسّر حسب الأهواء.
حقيقةً، ومع مرور الوقت ومن واقع الخبرة والتجارب، نستطيع تأكيد مقولة (الناس مقامات).
الناس مقامات، ليس هناك مفهوم آخر لها، لمن يُقدّر ويفهم!!
مقاماتٌ معنوية، مقامات في المكانة، مقامات في العطاءات، وليس في (كم عندك؟)، الناس مقامات، في أمور مهمة وعميقة في وقتٍ طغى فيه التفكير السطحي على البعض، مقامات في كيف أنك دائماً تسعى للحفاظ على علاقاتك بالآخرين ليكونوا من أولوياتك.
لا تضعوا أولوياتكم لمن لا يرونكم، فليس هناك متسعٌ من الوقت للاختيارات الخاطئة.
فالمقامات ليست فستاناً يُلبس، ولا حقيبة تُحمَل، ولا ساعة في المعصم، ولا سيارات فارهة.
فكونك تُعطي الأشخاص الخطأ يعني أنك تستنزف عطاءاتك، فتأتي بعد مواقف كثيرة وعميقة فتُسقِطهم، وفي المقابل تحاول استعادتهم من جديد رغم أنهم لا يسببون لك سوى الصداع، إنكاراً منك لما حدث.
الخطأ ليس خطأهم، الخطأ هو خطؤك أنت، وحق نفسك عليك أن تتوقف عن حمل حقائب مليئة بالسموم العاطفية والنفسية، مليئة بالاعتذارات الكثيرة والتوقعات المتضخمة، تلك الحقائب التي لا تُشكل سوى حمولة إضافية.
ألقِها في مكبّ النفايات، لا بل محرقة النفايات، حتى لا تعود إليها مرة أخرى، وعليك أن تعتذر لنفسك عن سوء اختياراتك، وعن محاولة إبقائهم رغم حجم وعمق الإيذاء والخذلان الذي صدر منهم.
فمن كنتَ من أولوياته، ضعه وسط عينيك، واحفظ له المكان والمكانة.
ومن شعرتَ، ولو لبرهة، أنك مهما بذلت لا تجد سوى عدم التقدير، ابتعد فوراً، ولا تضع سقف توقعات عالياً لأحد.
(فأنزلوا الناس منازلهم التي يستحقون).
لا تتمسك بمن يسهل عليهم خسارتك، وتُلقي بنفسك على طرقاتهم، فالحياة الكريمة مليئة بسكانٍ أعزاء أيضاً، فهي مجرد طرقات وجسور عبور.
فلا تَتمادَ على نفسك، واحفظ لها كرامتها واستقرارها، فأنت مؤتمنٌ عليها.
فالعلاقات لم تُخلق للتلاعب أو للتعب أو لإثبات شيء ما، وإنما خُلقت للراحة والاطمئنان.
فمزاجية التعامل، ومن كانت علاقتك بهم مرهونة وقد تهتز لأي سبب، لا تنتظر، ابتعد فوراً وبدون أي تردد، وأغلق بابك بإحكام، وضع حدوداً لدائرتك الجميلة، ولا تترك الفرصة لأحد بأن يتجاوز حدوده، فللقلوب والأرواح والمشاعر حُرماتٌ أيضاً كما للبيوت حُرمات.
بل حُرمات القلوب والأرواح والمكانات أعمق، لأنه من منطلقها يستطيعون دخول حياتك.
مع فائق احترامي وعظيم اعتذاري للكلمات والعبارات التي لا زالت تُستخدم بشكلٍ خاطئ.
ودمتم بود