مقالات

إدارة المخاطر المؤسسية… عبء تنظيمي أم استثمار استراتيجي؟

د.عبد المعتني المزروعي

د.عبد المعتني المزروعي

هل تُعد إدارة المخاطر المؤسسية عبئًا إداريًا أم قيمة مضافة للمؤسسة؟ هذا السؤال يطرح نفسه اليوم بقوة، مع تزايد التحديات القانونية والأزمات المتكررة التي تواجهها المؤسسات في مختلف القطاعات. كثير من المؤسسات تنظر إلى إدارة المخاطر على أنها مجرد عبء تنظيمي يستهلك الوقت والميزانية، ويبطئ عملية اتخاذ القرار. وغالبًا ما ترجع هذه النظرة إلى عدة أسباب، منها التعقيد الزائد في النماذج المستخدمة، وتكاليف التدريب والتقنيات في المدى القصير، إضافة إلى المقاومة الداخلية من بعض الموظفين الذين يرونها قيدًا على مرونتهم. ومع غياب الرؤية الاستراتيجية، تتحول إدارة المخاطر إلى إجراء شكلي لا يترك أثرًا حقيقيًا. لكن الواقع يثبت عكس ذلك تمامًا.
ففي السنوات الأخيرة، شهد العالم أزمات كبرى واجهتها مؤسسات عالمية بسبب ضعف إدارة المخاطر، وكان بالإمكان تفاديها لو طُبقت أساليب فعالة. على سبيل المثال، تكبدت شركات تكنولوجية كبرى غرامات بمليارات الدولارات نتيجة عدم الامتثال لقوانين حماية البيانات، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية (GDPR)، مما تسبب في خسائر مالية ضخمة وضرر كبير بالسمعة. كما واجهت شركة فولكس فاجن فضيحة كبرى في قضية الانبعاثات، حيث تجاهلت مؤشرات مبكرة للخطر، ما كلفها عشرات المليارات من الدولارات في الغرامات والتعويضات.
هذه الأمثلة تؤكد أن إهمال إدارة المخاطر قد يتحول إلى تهديد وجودي للمؤسسة، بينما يُحقق دمجها في الاستراتيجية استقرارًا أكبر وقدرة أعلى على مواجهة التحديات. كما أظهرت تقارير عام 2025 أن غياب الرؤية الواضحة في إدارة العلاقات مع الأطراف الثالثة (Third-Party Relationships) — مثل الموردين والشركاء ومزودي الخدمات — يؤدي إلى زيادة احتمالية الاختراقات القانونية والتقنية. كما بينت دراسات أكاديمية أن الجمع بين استراتيجيات التنويع والتحوط، واستخدام التقنيات الحديثة مثل AI) والبلوك تشين (Blockchain)، يعزز قدرة المؤسسات على التنبؤ بالمخاطر، وتحسين الشفافية والامتثال، وأظهرت دراسة لجامعة ويسكونسن عام 2024 أن تطبيق ممارسات فعّالة في إدارة المخاطر المؤسسية (ERM) يحقق خفضًا في التكاليف وزيادة في الإيرادات .وعلى مستوى الحوكمة والامتثال، أصبح الاعتماد على منصات (GRC ) ونماذج النضج المؤسسي المدعومة بالذكاء الاصطناعي توجهًا رئيسيًا في المؤسسات الحديثة، لما له من دور في تقليل مخاطر السمعة وتعزيز الثقة مع المستثمرين والعملاء.
وبالتالي الاعتراضات التي ترى إدارة المخاطر عبئًا تنبع غالبًا من ممارسات تقليدية غير فعالة. والحل، يكمن في تبسيط الأدوات باستخدام التقنية، ودمجها في القرارات الاستراتيجية بدلًا من عزلها، ونشر ثقافة مؤسسية تعتبرها وسيلة للتمكين لا عائقًا، وربط النتائج بمؤشرات (KPIs) لإبراز قيمتها الفعلية. وهكذا، تتحول إدارة المخاطر من عبء إداري إلى أداة استراتيجية تمنح المؤسسات قدرة حقيقية على النمو والتطور. وعند إدارتها بفعالية، تصبح إدارة المخاطر أداة استراتيجية تدعم النمو، وتمنح المؤسسات مستقبلًا أكثر استقرارًا وثقة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى