مقالات

الخوف

بقلم : رجاء الطويل

بقلم : رجاء الطويل

ذلك الشعور الإنساني العميق المتجذر في وجداننا الذي يتسلل إلى دواخلنا بصمت فيؤثر في علاقاتنا وقراراتنا تلك الغريزة الفطرية التي أودعها الله فينا لحمايتنا من المخاطر وتنبيهنا لما يهدد أمننا واستقرارنا ليس عائقاً ولا معضلة إلا إذا تحول من منبه للنجاة إلى قيد على الإرادة ومن محفز للحذر إلى عائق للتقدم فمعظم ما نعيشه من تعقيدات في علاقاتنا وتأجيل وتردد في اختياراتنا ومشكلات في حياتنا ليس بسبب ضعف الإمكانيات فحسب ولا قلة الخيارات بل إن الخوف يتسلل بيننا وبين خطواتنا الأولى فيحاصرنا من الداخل فنخاف من الفقد والرفض من الفشل والنقد من نظرة الآخرين من المجهول نخاف أن نُظهر مشاعرنا فيُظن بنا الضعف نخاف أن نبوح بأحلامنا فتُقابل بالسخريه

نخاف أن نجرب فنفشل ومما يزيد الأمر تعقيدا أننا لا نعترف بخوفنا حتى لا يظهر للآخرون ضعفنا رغم أنه ليس ضعفا في جوهره بل إشارة تحتاج إلى وعي واستعداد وفهم أعمق

في الكثير من الأحيان لا يكون الخوف نابعاً من حقيقة وواقع بل من تصور داخلي صنعناه في عقولنا فنعيش في قلق مستمر من أمور لم تقع أصلاً ولن تقع غالباً وهكذا نتردد ونؤجل ونتسمر في مكاننا بينما تمر أمام أعيننا فرص ربما كانت لتغير مصيرنا ،وأعظم ما يبدد هذه المخاوف ويعيد للنفس الطمأنينة هو كلام الله فقد ورد ذكر الخوف في(124) موضعاً جاء في أكثرها مقروناً بالنفي والنهي أو الطمأنه قال تعالى مخاطبا موسى

﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ )
[ طه: 21]

فإن خاف وما حمل العصا لما خر له السحرة ساجدون وحين أمرتعالى أم موسى أن تلقيه في اليم قال

﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ﴾ 
[ القصص: 7]

هنا الخوف مشروع لكنه ليس مبرراً للتراجع بل دافعاً للثقة بالله ولطفه الخفي فلو لم تُلقي أم موسى وليدها في البحر لما نَجى من القتل وما شهدنا ولادة جديدة لنبي من أولى العزم من الرسل، فهذه الآيات لا تقلل من الخوف بل تعيد توجيهه و الله سبحانه وتعالى لا ينفي وجود الخوف لكنه ينهى عن الإستسلام له، إن الخوف لا يمكن أن يمحى ولا ينبغي له إنه جزء من تكويننا البشري لكن المطلوب هو أن نتعلم كيف نفهمه ونوظفه ونصغي له ونواجهه ثم نتجاوزه نفتح له باب الوعي لا أبواب السيطرة على قراراتنا فقد يكون ما نخافه اليوم برداً وسلاما غداًا

كسر القيد وانهض وانطلق

وكما قال جل في علاه

﴿ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ 
[ طه: 46]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى