مكانة يوم الجمعة في الإسلام


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة ، والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : إنَّ يوم الجمعة من أفضل الأيام ، وقد هدى الله إليه أمةَ الإسلام على سائر الأممِ والأديان ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ ؛ فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ؛ فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ } رواه مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : { خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ } رواه مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ ، فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ ؛ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ ، وَلَا سَمَاءٍ ، وَلَا أَرْضٍ ، وَلَا رِيَاحٍ ، وَلَا جِبَالٍ ، وَلَا بَحْرٍ ، إِلَّا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ } رواه ابن ماجه في سننه ، وحسَّنه الألباني رحمه الله في مشكاة المصابيح برقم 1363 ولمكانة يوم الجمعة في شريعة الإسلام أمر الله فيه بجملةٍ من الأحكام والآداب الشرعية ، ومنهـــا ما يلي :
1-وجوب أداء صلاة الجمعة على الرجال البالغين المستوطنين السالمين من الأعذار الشرعية ؛ قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( الجمعة : ٩ – ١١ ) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ } رواه مسلم في صحيحه ، وفي رواية : { مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ طَبَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى قَلْبِهِ } رواه أحمدُ وغيرُه ، وفي رواية : { مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمُعَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُتِبَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ } رواه الطبراني في المعجم الكبير ، وصحَّح الروايتين السابقتين الإمام الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 11088 ، 11089 .
2-ويشرع لصلاة الجمعة عدة أمور منها : الاغتسال لصلاة الجمعة ، ولبس أحسن الثياب ، والتطيب ، والتبكير للجوامع لأدائها ؛ والتنفل بالصلاة قبل خطبتها ، والحذر من تخطي رقاب المصلين في جوامعها ، ووجوب الإنصات لخطبتها ، والحذر من الانشغال أو العبث بشيءٍ حال خطبتها ، قال صلى الله عليه وسلم : { مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى } رواه البخاري في صحيحه ، ولمسلمٍ في صحيحه : { مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا } وفي الصحيحين : { إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ : أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ، فَقَدْ لَغَوْتَ } قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله في إحدى فتاويه : ” ومعنى { فقد لغا } أي لغت جمعته ، يعني ما يكون له ثواب الجمعة ، الثواب العظيم الذي رتبه الله على الجمعة ؛ بل يكون له ثواب الظهر ” انتهى كلامه رحمه الله .
3-يشرع في يوم الجمعة تلاوة سورة الكهف ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين } قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/678) : ” { أضاء له من النور ما بين الجمعتين } أي في قلبه ، أو قبره ، أو يوم حشره في الجمع الأكبر ” والحديث السابق رواه البيهقي في الدعوات الكبير ، وحسَّنه الألباني في مشكاة المصابيح برقم الحديث 2175 .
4-كثرة الدعاء في يوم الجمعة ؛ قال صلى الله عليه وسلم : { فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا } رواه البخاري في صحيحه ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري قرابة أربعين قولاً في تحديد وقت هذه الساعةِ التي يستجاب فيها الدعاء من يوم الجمعة ، والذي رجَّحه شيخنا أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله : ” أنَّ من قام يصلي لله ، ويدعوه في كل جمعةٍ في وقتٍ غير الوقت الذي صلَّى فيه ودعا من الجمعة التي قبلها ، فإنَّه سيدرك فضيلة هذه الساعة التي يستجاب فيها الدعاء ” .وليس معنى ذلك أن نحدث في يوم الجمعة من أجل هذه الساعة بدعاً كتخصيص المقابر يوم الجمعة بالدعاء فيها للموتى دون غيره من الأيام ، فإنَّ تخصيص ذلك لم يدل عليه دليلٌ صحيح ، أو عملٌ لأحدٍ من سلف هذه الأمة رضوان الله عليهم .
5-كثرة الصلاة والسلام على الرسول الصادق الأمين صلوات ربي وسلامه عليه في يوم الجمعة وليلتها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ .. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ – بَلِيتَ – فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ } رواه أبو داود في سننه ، وصحَّحه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1527 قال الامام الشافعي رحمه الله في معرفة السنن والآثار للبيهقي ( 6679 ) : “ وأحبُّ كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كلِّ حالٍ ؛ وأمَّا في يوم الجمعة وليلتها أشدُّ استحباباً ” فاللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد بن عبد الله صلاةً دائمةً دوام الليل والنهار ، وارض اللهم عن خلفاء رسولك أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه ، وأدخلنا جنتك ، وقنا عذابك يوم تبعث عبادك
. اللهم آمين .