مقالات

نحو ميزة تنافسية مستدامة

بقلم : حنان سالم باناصر

بقلم : حنان سالم باناصر

تواجه المنظمات اليوم بيئة عمل معقدة وسريعة التغير، مما يجعل الإدارة الاستراتيجية المسؤولة أداة أساسية لتحقيق التميز والتنافسية المستدامة. فهي لا تركز فقط على العوائد المالية، بل تشمل أيضًا الجوانب الاجتماعية والبيئية، ما يضمن خلق قيمة متكاملة ومستدامة للمنظمة والمجتمع معًا.

تبدأ عملية الإدارة الاستراتيجية بوضع الرؤية والرسالة والأهداف، ويجب أن تبنى على أساس الثلاثية المتوازنة: الأداء المالي، الأداء الاجتماعي، والأداء البيئي. هذا التوازن يضمن استمرارية نجاح المنظمة ويعزز مسؤوليتها تجاه المجتمع والبيئة، إلى جانب تحقيق العائد الاقتصادي المنشود.

 

ثم تأتي مرحلة التحليل البيئي، التي تعد أداة رئيسة لفهم البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة بدقة. يستخدم التحليل الداخلي لتحديد نقاط القوة والضعف، بينما يركز التحليل الخارجي على الفرص والتهديدات. من الأدوات الشائعة لهذا الغرض تحليل SWOT لتقييم البيئة الداخلية والخارجية، وأداة قوى بورتر الخمس لتقييم قوة المنافسة. تشمل هذه القوى تهديد البدائل، حيث كلما كثرت البدائل المتاحة للعملاء زاد التهديد، وتهديد الداخلين الجدد، الذي يكون مرتفعًا إذا كان السوق جذابًا وحواجز الدخول منخفضة، ويقل إذا كانت المنافسة قوية وحواجز الدخول عالية. كما تشمل قوة مساومة الموردين، حيث يزداد التهديد إذا كان عدد الموردين قليلًا وتتوفر بدائل محدودة، ويقل إذا كان عددهم كبيرًا وتتوفر بدائل متعددة، وكذلك قوة مساومة المشترين التي ترتفع كلما توافرت لديهم بدائل أكثر، وشدة المنافسة بين المنافسين الحاليين التي تزيد من صعوبة النمو والحفاظ على الحصة السوقية. ولا ينبغي إغفال التحليل الخارجي غير المباشر، المتمثل في متابعة القوانين والسياسات والأنظمة واللوائح المؤثرة على السوق، والتي قد تفتح فرصًا جديدة أو تشكل قيودًا على المنظمة.

 

تلي مرحلة التحليل مرحلة صياغة الاستراتيجية، التي تُبنى على ثلاثة مستويات مترابطة: مستوى الشركة، مستوى وحدات الأعمال، والمستوى الوظيفي. ومن الضروري دمج الاستراتيجية في الهيكل التنظيمي وأخذ العوامل البشرية بعين الاعتبار، مثل المهارات والكفاءات وثقافة العمل ؛لضمان تحويل الخطط إلى ممارسات عملية تحقق التنافسية المسؤولة. وتعتمد فعالية التنفيذ بشكل كبير على القيادات والعقول المحركة لفرق العمل؛ فالقائد ذو المهارة والكفاءة والعقلية المستنيرة المتوافقة مع الاستدامة، يكون قادرًا على توجيه فريق العمل وتحفيزه على الالتزام بالاستراتيجية. ويأتي بعد ذلك استقطاب فريق عمل متميز بالكفاءة والفاعلية معًا، إذ يشكل العنصر البشري الفعال حجر الأساس لضمان تطبيق الاستراتيجية بنجاح.

 

ومن الأدوات الفعّالة لدعم التنفيذ هي بطاقة الأداء المتوازن، التي تحول الرؤية والأهداف إلى مؤشرات قابلة للقياس والمتابعة. تشمل هذه الأبعاد الأداء المالي، العملاء، العمليات الداخلية، والتعلم والنمو، ما يسهل متابعة الأداء وتحقيق التوازن بين الأهداف المالية والاجتماعية والبيئية. وتُعد جلسات المراجعة الدورية، ويفضل أن تكون ربع سنوية، جزءًا أساسيًا من المراقبة، إذ يتم من خلالها قياس التقدم باستخدام مؤشرات الأداء الرئيسة، ورصد الفجوة بين النتائج الفعلية والمستهدفة، واتخاذ الإجراءات التصحيحية في الوقت المناسب. كما تساعد على تحويل الأهداف الاستراتيجية النبيلة إلى مهام ملموسة يمكن تنفيذها على المدى المتوسط والطويل، ما يعزز تحقيق الميزة التنافسية المستدامة.

 

ختامًا، تبرز الإدارة الاستراتيجية المسؤولة كعلم وفن في آن واحد. فهي تتطلب معرفة نظرية عميقة ومهارة عملية في التنفيذ، كما أن الجمع بين القيادة الحكيمة، استقطاب الكفاءات الفعّالة، واستخدام أدوات قياس الأداء الحديثة، يتيح للمنظمات تطبيق الاستراتيجيات بفاعلية، وتحقيق التنافسية المستدامة، وخلق قيمة شاملة على المستويات المالية والاجتماعية والبيئية.

 

الاستدامة في السعودية : من الطموح إلى الواقع 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى