مقالات

ظاهرة التسول           

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله وحده ، والصلاة ، والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :      

   أخي القارئ الكريم : إنَّ ظاهرة التسول في المجتمعات المسلمة ظاهرة سيئة ؛ وهي مهنة من لامهنة له ، وهو أخذ أموال الناس تكثراً بدون وجه حق ؛ وقد نهى الله تعالى عن التسول في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ قال الله تعالى عن الفقراء المؤمنين الذين لا يسألون الناس أموالهم مع شدة فقرهم وحاجتهم : { لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ البقرة : 273 ] وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ، وَلاَ اللُّقْمَةُ وَلاَ اللُّقْمَتَانِ ، إِنَّمَا المِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ ، وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ ؛ يَعْنِي قَوْلَهُ : { لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا } متفقٌ عليه ، وقــــال صلى الله عليه وســــــــلم في ذم التسول ، وسؤال الناس أموالهـــــم بغير حق : { مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍة } أي قطعة لحم ، متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم : { مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا ؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ } رواه مسلم في صحيحه ، وفي الحديث : { عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ رضي الله عنه قَالَ : { تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا ، فَقَالَ : أَقِمْ } أي عندنا { حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ : رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ . وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ -أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ -وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ } أي فقرٌ { حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ : لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ -أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ -فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا } رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ إلى غير ذلك من الأدلة الشرعية المانعة من التسول ، وأخذ أموال الناس بطرقٍ غير مشروعةٍ .

   أخي القارئ الكريم : وعلى ضوء هذه النصوص الشرعية الذامة للتسول فقد قامت دولتنا السعودية أيدها الله بمنع المتسولين الذين يظهرون الحاجة والعوز في المساجد ، والميادين العامة ، ويستعينون على تسولهم بحمل الأطفال والمرضى والمعاقين ؛ ليستعطفوا بها قلوب الناس ، وأموالهم ، فلنكن منهم يا اخواننا على حذر ، ولنبلغ بهم الجهات الأمنية ؛ لنحمي مجتمعنا السعودي من هذه الظاهرة الدخيلة على بلادنا .

  أخي القارئ الكريم : وللمتسولين طرقاً حديثة لتسولهم ؛ والتي يجب الحذر منها كالتحويلات المالية البنكية التي حصلوا عليها بعد تعرفهم على المحسنين من خلال الجوالات ؛ ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة .

  و من طرق التسول إظهار خدمات رمزية للناس ، والقصد منها أخذ أموال الناس تسولاً كمسح زجاج السيارات ، أو بيع أشياء معينة أو النظافة في أماكن مخصصة يرون بأنَّها تدر عليهم أموالاً طائلة دون غيرها ؛ وليس هدفهم العمل المباح ولو كان هدفهم ذلك ؛ لدخلوا البلاد بطريقة مشروعة ، وعملوا بطريقة نظامية .

  أخي القارئ الكريم : عليك أن تصرف أموالك من الزكوات والصدقات إلى مستحقيها الذين ذكرهم الله في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى من تعرفهم بفقرهم وعوزهم ، من أهل الدين والخلق ، والذين لا يسألون الناس شيئاً تعفَّفاً ، أو تصرف هذه الصدقات عبر القنوات الخيرية الرسمية كمنصة إحسان الخيرية ، ومنصة الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ، وغيرها من المواقع الرسمية المعتمدة ؛ والتي تبرأ بها الذمة ؛ ويأمن فيها المتصدق على أمواله من صرفها إلى من لا يستحقها ؛ أو بما يعود به ضرره على الوطن والمواطن والمقيم جميعاً من حيث لا يشعر ؛ والله نسأل أن يغنينا بحلاله عن حرامه ، وبفضله عمن سواه ، وأن يوفق ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه ، وأن يكفينا وإياهم وجميع المسلمين كل شر ومكروه يا رب العالمين ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ووالدينا ووالديهم وجميع المسلمين 

اللهم آمين .

 

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله – 1362 هـ – 1447 هـ

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى