مقالات

ليست كل الأبواب المغلقة “خسارة”… حكمة المنع ولطف العناية الإلهية

أهداب المنديلي

أهداب المنديلي

ليست كل الأبواب التي أُغلقت في حياتنا تُمثل خسارة حتمية. في كثير من الأحيان، يكون الإغلاق فعلًا إلهيًا خالصًا محفوفًا باللطف؛ هو ليس حرمانًا، بل دفعًا لبلاء كنا غافلين عنه، أو صرفًا عن تعب كان سينهكنا، أو تمهيدًا لخيرٍ آخر لم يكن في حسباننا على الإطلاق.

ميزان الفهم بين العجلة والإيمان

من الصعب علينا في لحظات المنع أن نستوعب الحكمة الكامنة وراءه، فالإنسان بطبعه يستعجل تحقيق مراده ويتشبث بما يرى فيه مصلحته الآنية والمباشرة. لكن إذا استنار القلب بنور الإيمان، يتغير ميزان الفهم تمامًا؛ فما لم يتحقق ليس بالضرورة شرًا محضًا، وما فُوّت علينا قد يكون في حقيقته من أعظم العطايا التي قُدرت لنا.

وهذا ما يؤكده قول الله تعالى:

وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”

(سورة البقرة: 216)

التوفيق ليس في الاستجابة دائمًا

قد يظن البعض أن التوفيق الحقيقي هو أن يُستجاب لنا في كل دعاء، وأن تُفتح لنا كل الطرق والرغبات دون استثناء. غير أن التوفيق، في الميزان الإلهي الأعمق، يتجاوز رغباتنا المحدودة؛ هو أن نُمنع عن أمر كنا نظنه خيرًا ومنفعة لنا، بينما هو في حقيقته شرٌّ مؤكد لو تحقَّق على النحو الذي أردناه.

لذلك، فإن المنع ليس دائمًا غضبًا أو عقابًا، بل قد يكون في جوهره رحمة مؤجلة، أو حماية محكمة من فتنة أو انزلاق، أو هو “وقت مستقطع” إجباري كي ننضج ونتأهل بشكل كامل قبل أن نُمنح ما نستحقه حقًا.

وفي هذا المعنى، يقول ابن القيم رحمه الله قولًا بليغًا:

“فربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وربما حرمك ليرزقك، وربما ابتلاك لتقرب منك.”

ثقة المؤمن في تدبير الله

المؤمن الحقيقي هو من يتعلّم أن يُحسن الظن بالله تعالى، ليس فقط في أوقات الرخاء والاستجابة، بل أيضًا، وربما الأهم، حين يتأخر عنه ما يحب ويتمناه أو يُغلق في وجهه ما سعى إليه. هذا هو الفارق الجوهري بين من يرى الظاهر فحسب، ومن يثق بثقة مطلقة في الحكمة الإلهية التي تسري في كل غيب لا تدركه أبصارنا.

في الختام، كل باب أُغلق في طريقك كان بأمر الله وتدبيره، وكل تأخير مررت به لم يكن إلا لحكمة بالغة. قد تُدرك هذه الحكمة بعد حين، وقد تظل سرًا إلهيًا، لكنك قادر دائمًا على أن تقول بقلب مطمئن:

“ما منعني ربي إلا ليُعطيني بطريقة أنفع لي، وأعمق في الأثر، وأبقى أجرًا.”

 

هل تعلم أن مشاعر مديرك قد تنتقل إليك مثل العدوى؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى