مقالات

الاحتفال بالمولد النبوي   

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

الحمد لله وحده ، والصلاة ، والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :

أخي القارئ الكريم : إنَّ من البدع المحدثة التي أنكرها علماء السنة قديماً وحديثاً بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، وغيرها من الموالد ، ولنا مع ما يسمى بالمولد النبوي عدة نقاطٍ نجملها في النقاط التالية :

1-أنَّ علماء التاريخ والسير ؛ اختلفوا في زمن ولادته صلى الله عليه وسلم من شهر ربيع الأول بعد اتفاقهم على أنَّها في يوم الاثنين من عام الفيل ( 571م ) فقال بعض أهل العلم: إنَّ ولادته صلى الله عليه وسلم كانت في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول ، ومن قائلٍ أنَّها في اليوم الثامن ، ومن قائلٍ أنَّها في اليوم التاسع ، ومن قائلٍ أَّنها في اليوم الثاني عشر ، ومن قائل أنَّها في اليوم السابع عشر ، قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : ” وليس من قولٍ لديه دليلٌ يرجِّحه ، إلا أنَّ بعض المعاصرين حقَّق أن ولادته كانت في اليوم التاسع ” انتهى كلامه رحمه الله بتصرف .

2-لم يدل دليلٌ صحيحٌ على جواز فعل هذه الاحتفالات بالمولد النبوي في المساجد أو البيوت أو غيرها من الأماكن لا من كتاب الله عزَّ وجل ، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحدٍ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحدٍ من التابعين ، ولا من تابعيهم بإحسان رضوان الله تعالى عليهم جميعاً ، وإنَّما أحدث هذه البدعة علماء الضلالة في زمن الدولة العبيدية المسماة بالدولة الفاطمية ، وتبعهم في ذلك الصوفية إلى يومنا هذا ، ومن بعض جهلة المسلمين ببدعية هذا العمل ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ } متفقٌ عليه .

أخي القاري : ما دام أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا الاحتفال لنفسه ، ولا نقل عن أحد من أهل بيته فعله معه ، ولم يفعله صحابته معه لا في حياته صلى الله عليه وسلم ، ولا بعد مماته ، ولم يفعله معه التابعون لهم بإحسان ، فهل نحن أحرص منا على محبته ، وتعظيمه منهم ؟ أو هل نحن أشد اتباعاً واهتداء منهم ؟ أو نحن أكثر منهم علماً وفقهاً حتى نفعل هذه الاحتفالات ، وهم لم يفعلوها ؟ فما لم يكن يومئذٍ ديناً ، فلن يكون اليوم ديناً ، كيف وقد قال الله تبارك وتعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) ( المائدة : 3 ) وقال صلى الله عليه وسلم : { إِنَّهُ من يَعش مِنْكُم سَيرى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ؛ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } رواه أحمد في مسنده ، وصحح الحديث الألباني في مشكاة المصابيح برقم 26 .

3-أنَّ في بدعة الاحتفال بالمولد النبوي تشبهاً بالنصارى في عملهم هذا ، وما يسمَّى عندهم بالاحتفال بمولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، ونحن أهل الإسلام منهيون عن التشبه بهم في دينهم ، وما يخالف شريعتنا الإسلامية ؛ كيف وقد قال الله تعالى : ( وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)( البقرة : 120 ) وقال صلى الله عليه وسلم : { لاَ تُطْرُونِي ، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ } رواه البخاري في صحيحه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } رواه أحمد وغيره ، وحسن الحديث الألباني في مشكاة المصابيح برقم 6149 .

4-ما يحصل في الاحتفال بالمولد النبوي من الشركيات ، والبدع ؛ كبدعة الاجتماع لذلك ، والفرح السرور بذلك ، وما يقع فيها من شركياتٍ كالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيها ، ودعائه صلى الله عليه وسلم من دون الله عز وجل في مجالسها ، واعتقاد أنَّه يحضر مجالسهم واحتفالاتهم البدعية هذه ، وأنَّه صلى الله عليه وسلم يسامحهم فيما قد مضى وجرى ، وما في هذه الاجتماعات في المساجد والبيوت وغيرها من الأناشيد الجماعية المنغمة المبتدعة ، وما فيها من الرقص ، وضرب الطبول ، والتصفيق ، والأذكار الصوفية المحدثة ، وغيرها من الشركيات ، والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وقد قال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( الأعراف : 188 ) وقال صلى الله عليه وسلم : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ } رواه أحمد في مسنده ، وصحح الحديث الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1097 .

5-ما يحصل في الاحتفالات بالمولد النبوي من الذنوب والمعاصي ، من غناءٍ ، وتصويرٍ ، واختلاط الرجال بالنساء ، وما يحصل بذلك من الفتنة العظيمة ، وما يكون في هذه الاحتفالات من صنع للأطعمة والأشربة المتنوعة ؛ والإسراف والتبذير فيها ، وما فيها من تزيين البيوت والشوارع ، ووضع الشموع ، والأنوار الكثيرة والملونة ، ولبس أحسن اللباس ، وغيرها من المعاصي ، وكأنَّنا في أعياد شرعية محمودة ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) ( البقرة : 168 ) وقال صلى الله عليه وسلم : { كُلُوا ، وَاشْرَبُوا ، وَالبَسُوا ، وَتَصَدَّقُوا ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ ، وَلاَ مَخِيلَةٍ } أخرجه أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، وذكره البخاري معلقاً مجزوما به .

6-أخي القارئ الكريم : إنَّ حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا كثيرة ، ومنها الإيمان به ، واتباع سنته وشريعته ، وتقديم محبته على محبة المال ، والنفس ، والولد ، والوالد ، والناس أجمعين ، ولا تنال محبة النبي صلى الله عليه وسلم بحقٍّ وحقيقةٍ ؛ إلا بطاعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وألا يعبد الله إلا بما شرع نبيه صلوات ربي وسلامه عليه ، ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم علينا الإكثار من الصلاة والسلام عليه في كل وقتٍ وحين ، وخاصةً في المواضع التي يشرع فيها الصلاة والسلام عليه كيوم الجمعة وليلتها ، والصلاة والسلام عليه إذا ذكر ، وليس من محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم ؛ مخالفة سنته ، وإحداث البدع التي نهى عنها ، وحذر منها ، إما تصريحاً ، أو تلميحاً ، ومنها بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، وصدق الله تعالى إذ يقول : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ ) ( آل عمران : 31 – 32 ) نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإيمان برسولنا صلوات ربي وسلامه عليه إيماناً كاملاً ، يعقبه اقتداءٌ واتباع له صلوات ربي وسلامه عليه في كل ما ورد عنه عقيدةً ، وشريعةً ، وأخلاقاً ، وسلوكاً ، وأن يحشرنا في زمرته في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى