قوة الكلمة بين التتويج والخذلان


بقلم : حنان سالم باناصر
الكلمة ليست مجرد حروف تُنطق، بل هي رسالة تحمل في داخلها مشاعر ومعاني قد ترفع إنساناً إلى قمم النجاح، أو تُسقطه في وادي الإحباط. لقد مرّ كل واحدٍ منّا بلحظاتٍ أدرك فيها أن كلمة عابرة بدّلت يومه، أو جرحته على نحوٍ لم يتوقعه. لذلك فإن للكلمة قيمة عظيمة، تتحدد بموضعها وزمانها ونبرتها.
التوقيت هو ما يمنح الكلمة قوتها. فكلمة تشجيع تُقال قبل الإنجاز قد تبدو مجاملة، أما إذا جاءت بعد الجهد فإنها تتحول إلى تتويج يبعث في النفس شعوراً بالاعتزاز. الكلمة في غير أوانها قد تفقد أثرها، بل ربما تنقلب إلى عكس ما يُراد منها.
طريقة إلقاء الكلمة لا تقل أهمية عن معناها. فالجملة ذاتها يمكن أن تكون مدحاً إذا قيلت برفق، أو سخرية إذا قيلت بلهجة مستهزئة. إن نبرة الصوت ولغة الجسد هما اللذان يلونان المعنى ويتركان الأثر في النفوس، وقد يبقى وقع الأسلوب أطول من وقع الكلمة،
المجاملة قد تجعل الكلمات خفيفة وعابرة، لكن الصدق يمنحها وزناً وتأثيراً. حين نقول “أحسنت” قبل أن نرى جهداً فهي لا تتعدى حدود العادة، أما إذا قيلت بعد الإنجاز فهي كلمة صادقة تشعر صاحبها بقيمة ما صنع. الفارق بينهما هو النية والصدق، وهما ما يمنحان الكلمة حياتها الحقيقية.
ولعل كلمة الشكر خير مثال على ذلك؛ فهي قد تكون عادة اجتماعية تقال ببرود، لكنها إذا خرجت من قلب ممتن فإنها دواء يبعث الطمأنينة ويزرع المودة. وقد أشار القرآن الكريم إلى أثر الامتنان في قوله تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]، فالشكر بركة تزيد الخير وتفتح أبواب العطاء. وفي المقابل، قد يكون الصمت أحياناً أبلغ من أي تعبير، فهو لغة تحمل معاني الاحترام والتقدير أو حتى الاعتراض، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». وهكذا يتضح أن الصمت في غير موضعه حكمة، وأن الكلام إذا خرج في مكانه الصحيح حياة
ولا ينبغي أن ننسى أن للكلمة مسؤولية عظيمة تجاه المجتمع، فهي قادرة على إثارة الفتن أو إطفائها، وعلى نشر الكراهية أو زرع المحبة. فكلمة مغرضة قد تشعل نزاعاً واسعاً، وكلمة مخلصة قد تُصلح بين قلوب متخاصمة. إن ضبط اللسان أمانة، والكلمة مسؤولية لا تقل وزناً عن أي فعل ملموس، بل ربما تكون أخطر لأنها تنتشر بسرعة ولا يمكن استرجاعها بعد أن تُقال
إن الكلمة في حقيقتها سهم، فإن أُطلقت في اتجاهها الصحيح أصابت هدفها وأثمرت خيراً، وإن خرجت بلا وعي أصابت من لا يستحق وأحدثت جرحاً لا يُمحى. فلنزن كلماتنا قبل أن ننطق بها، ولنجعلها جسوراً تصل بين القلوب لا سهاماً تُمزقها، فالكلمة الطيبة صدقة، وما أحوجنا في زمننا هذا إلى كلمات تبني ولا تهدم، وتُسعد ولا تُحزن، وتُداوي ولا تجرح.