الإدارة المسؤولة… لغة الأرقام وبوصلة المستقبل


بقلم : حنان سالم باناصر
تشهد مؤسسات الدولة والقطاع الخاص على حد سواء مرحلة تحول جوهرية، تتجسد في انتقال كثير من الوزارات إلى هيئات أكثر مرونة واستدامة، وهذا التحول لا يقتصر على تغيير المسمى أو الهيكل بقدر ما هو تغيير في العقلية الإدارية وطريقة التفكير، والانتقال من نموذج الإدارة التقليدية إلى الإدارة المسؤولة. فالإدارة التقليدية لعقود طويلة كانت تقوم على أربعة أعمدة رئيسية هي التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة، ورغم أهميتها إلا أنها لم تعد كافية لمواجهة تحديات عالم يتغير بسرعة ويضع المسؤولية المجتمعية والبيئية على رأس الأولويات. ولهذا ظهرت الإدارة المسؤولة التي تبني على هذه المبادئ الأربعة وتضيف إليها ثلاثة مرتكزات جوهرية هي الاستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والمسؤولية تجاه أصحاب المصلحة من موظفين وعملاء وشركاء ومجتمع، والأخلاقيات المهنية باعتبارها معيارًا يحكم السلوك المؤسسي ويعكس القيم الحقيقية للمنظمة. وسر نجاح هذا النموذج يكمن في دمج أهداف المؤسسة مع مصالح المجتمع، مما يرفع من ولاء الموظفين ويحفزهم على تقديم أفضل ما لديهم، فالموظف حين يشعر أن عمله يحقق أثرًا مجتمعيًا وإنسانيًا يكون أكثر التزامًا واندماجًا. ولتحقيق هذه الرؤية نحن بحاجة إلى قيادات بعقليات غير تقليدية، قادرة على التطور ومواكبة المستجدات، تستخدم لغة الأرقام والتحليل البياني والإحصائي كأساس لاتخاذ القرار. فالإجابات على الأسئلة الجوهرية: أين نحن اليوم؟ إلى أين نريد أن نصل؟ وماذا حققنا بالفعل؟ لا بد أن تكون بالأرقام والبيانات الدقيقة لا بالانطباعات الشخصية. وهذا يستلزم وضع مؤشرات تفصيلية تندرج تحت مؤشرات رئيسية لقياس الإنجاز بدقة، ومتابعة النتائج وتطويرها وتحسينها باستمرار. كما أن الإدارة المسؤولة تعني رصد التحديات في بداياتها قبل أن تتفاقم، والتنبؤ بها قبل وقوعها، وصياغة خطط إجرائية مدروسة لتقليل فرص حدوثها والتخفيف من أثرها إذا وقعت، وهو ما يجعل ربط المخاطر بالالتزام بعمل المؤشرات وصياغة الأهداف وتحليل البيانات جوهر المرحلة المقبلة. وتبقى من أهم ركائز التميز المؤسسي تحفيز الموظفين أصحاب الكفاءات العالية بمكافآت مادية ومعنوية، فذلك يضمن استمرارية الإبداع ويمنح المؤسسات طاقة متجددة قادرة على المنافسة. ولم يعد البحث عن الأكثر فعالية هو المعيار في سوق العمل، بل عن الأكثر كفاءة، وهذه الكفاءات لا تُقاس من عدة زوايا، أبرزها أربع: الكفاءة المجالية التي تعكس التمكن من مجال محدد، والكفاءة الإجرائية التي تتجسد في القدرة على أداء مهام معينة بدقة، والكفاءة الاجتماعية المتمثلة في مهارات التواصل مع الآخرين، وأخيرًا الكفاءة الذاتية التي تتعلق بوعي الفرد بذاته وإدارته لقيمه ومواقفه ومعتقداته. وفي الختام، فإن التحول المؤسسي الذي تعيشه المؤسسات اليوم ليس خيارًا بل ضرورة، ولكل من يعمل في هذه القطاعات نصيحة جوهرية: طوّر من كفاءاتك باستمرار، وكن حاضرًا ضمن الفريق المتماشي مع متطلبات السوق الجديدة والتوجهات القادمة، لأن من يواكب التغيير يظل فاعلًا ومؤثرًا، أما من يتجاهله فيخاطر بأن يجرفه التيار بعيدًا عن دائرة الفعل والتأثير.