الاستقامة على الإسلام وثمرتها


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة ، والسلام على من لانبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : الاستقامة على الإسلام : ومعناها سلوك الصراط المستقيم الذي أمرنا الله بإتباعه ، وسار عليه السلف الصالح كما في قوله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( الأنعام : 153 ) والاستقامة على الإسلام تكون بفعل ما أمر الله به في كتابه ، وما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته ، وترك كل ما نهى الله عنه في كتابه ، وما نهى عنه صلى الله عليه وسلم في سنته ؛ من الأقوال ، والأفعال ، والاعتقادات القلبية .
وقد أمر الله بالاستقامة على دينه القويم كما قال تعالى في حقِّ نبيه محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، وأمته تبعٌ له في ذلك : ( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( هود : 112 ) وقال تعالى : ( فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) ( الشورى : 15 ) وقال تعالى في حقِّ موسى وهارون عليهما السلام : ( قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( يونس : 89 ) وفي الحديث : { عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ } وفي لفظٍ { غَيْرَكَ ) ( قَالَ : قُلْ : آمَنْتُ بِاللهِ ، ثَمَّ اسْتَقِمْ } رواه مسلمٌ وغيره .
أخي القارئ : هناك أسبابٌ للاستقامة على الدين الصحيح حتى الممات باذن الله تعالى ، ومن ذلكم ما يلي :
1-هداية الله للعبد إلى الطريق المستقيم ، وتوفيقه للطاعة ، والعمل الصالح الذي يحبه الله ويرضاه ، فالهداية والتوفيق بيد الله وحده ، ليست بيد أحدٍ سواه تعالى ؛ فمن شاء الله هداه ، ومن شاء أضله ؛ قال الله تعالى : ( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ( المائدة : 15 -16 ) .
٢– اخلاص العبد لله تعالى في جميع أقواله وأفعاله ونياته ؛ فلايقصد بهدايته للإسلام ، والأعمال الصالحة أحداً من الخلق ، ولا شيءٍ من أمور الدنيا ، وإنَّما يقصد باستقامته على الدين الصحيح ما عند الله وحده لا شريك ، وما أعدّه له ربه من الثواب العظيم ، والفوز الكبير في جنات النعيم ؛ قال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )( البينة : 5 ) وقال تعالى : ( مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) ( الشورى : 15 ) .
٣– من أسباب الإستقامة متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما ورد عنه عقيدةً ، وعبادةً ، ومعاملةً ، وأخلاقاً ، وسلوكاً ؛ قال الله تعالى : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) ( الحشر : 7 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما .
٤– وهذه المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم لابدَّ فيها من العلم بكتاب الله عزَّ وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بفهم السلف الصالح ، ومعرفة ما فيهما من المعاني الجليلة ، والأحكام العظيمة ، ولذا بيَّن الله في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته أهمية العلم الشرعي ، وفضله ؛ ليتسابق المتسابقون إلى معرفة الدين الحق ، والاستقامة عليه ، قال الله تعالى : ( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) ( الزمر : 9 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَاللَّهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ ، وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ، وَهُمْ ظَاهِرُونَ ) رواه البخاري ، ومسلم في صحيحهما .
٥– ومن أسباب الاستقامة على الإسلام ، والمنهج الصحيح ، صحبة الأخيار من العلماء ، وطلاب العلم الأتقياء ، ومن نحا نحوهم من الصالحين السلفيين الأصفياء ؛ قال الله تعالى : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) ( هود : 113 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ ) رواه أحمد ، وغيره ، وصحَّح الحديث الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 927 .
٦– ومن أسباب الإستقامة ، دعاء الله وحده تبارك وتعالى أن يثبتك على الدين الحق ، والمنهج المستقيم الذي أمر الله باتباعه ، قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) ( يوسف 101 ) وقال تعالى : ( رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنــــــا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) ( آل عمران : 8 ) وفي الحديث : ( عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، آمَنَّا بِكَ ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ؛ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ) رواه الترمذي في سننه ، وصحَّح الحديث الألباني في مشكاة المصابيح برقم 24 .
أخي القارئ : كم هو الثواب العظيم الذي أعده الله للمستقيمين على دينه القويم ؛ وهو الإسلام الدين الحق ؛ الذي جاء به سيد المرسلين ؛ رسولنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ، وسار عليه السلف الصالحون جيلاً بعد جيل إلى يوم الدين ؛ قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) ( فصلت : 30-32 ) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ، وسائر المسلمين ؛ من المستقيمين على دينه القويم حتى نلقاه ، وقد رضي عنا وأرضانا بعفوه ، وفضله الكريم ، وأن يتجاوز عن سيئاتنا يوم الدين ؛ إنَّه هو التواب الرحيم . اللهم آمين .