استمرارية الأعمال… طوق نجاة الشركات في زمن الأزمات

بقلم : حنان سالم باناصر
في وقت تتسارع فيه المتغيرات وتتصاعد فيه المخاطر، من الكوارث الطبيعية إلى الهجمات السيبرانية وتعطل سلاسل الإمداد، باتت استمرارية الأعمال إحدى الركائز الأساسية التي لا غنى عنها في عالم الشركات والمؤسسات. فالحفاظ على وتيرة العمل دون انقطاع لم يعد رفاهية، بل هو شرط لبقاء أي كيان اقتصادي قادر على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية.
فاستمرارية الأعمال… ضمانة للبقاء
يعني مفهوم استمرارية الأعمال قدرة المؤسسة على مواصلة تقديم خدماتها ومنتجاتها الأساسية مهما كانت الظروف. هذه الجاهزية لا تتحقق بالصدفة، بل عبر خطط محكمة تشمل إدارة المخاطر، دراسة الفرضيات والسيناريوهات، ووضع برامج استباقية تقلل من أثر أي أزمة مفاجئة.
ويؤكد خبراء أن استمرارية الأعمال تحمي سمعة المؤسسة وتعزز ثقة العملاء بها، كما تساهم في تقليل الخسائر المالية التي قد تنجم عن التوقف المفاجئ. وتفرض بعض الجهات الرقابية، مثل البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية، وجود خطط استمرارية معتمدة لدى المؤسسات التي تخضع لأنظمتها، ما يعكس أهمية هذا المفهوم في حماية الاقتصاد الوطني.
خطط التعافي… قلب الاستمرارية لا تكتمل استمرارية الأعمال دون وجود خطط تعافي فعّالة (Disaster Recovery Plans)، والتي تركز على استعادة الأنظمة الحيوية بعد أي انقطاع. هذه الخطط تشمل النسخ الاحتياطية للبيانات، وجود مراكز بيانات بديلة، وتحديد مؤشرات زمنية دقيقة لاستعادة الأنظمة والبيانات.
فالخطة الناجحة تحدد:
• الزمن المستهدف للاستعادة (RTO) لضمان عودة الأنظمة خلال وقت محدد.
• الحد الأقصى لفقدان البيانات (RPO) بما يضمن استمرار الخدمات بأقل خسائر ممكنة.
ولا تتوقف فعالية هذه الخطط عند صياغتها، بل يتم اختبارها بشكل دوري للتأكد من جاهزيتها للتنفيذ عند الحاجة.
تطبيقات واقعية
تظهر أهمية الاستمرارية وخطط التعافي في قطاعات حيوية عديدة. فالبنوك في المملكة لديها مراكز بيانات بديلة لضمان استمرار الخدمات المالية. أما المستشفيات فتعتمد على أنظمة نسخ احتياطية للسجلات الطبية الإلكترونية لضمان استمرار الرعاية الصحية حتى في الأزمات. كذلك، تضع المصانع الكبرى خططاً لتأمين سلاسل الإمداد، فيما تعتمد شركات الاتصالات على أنظمة بديلة لضمان استمرار خدمة الإنترنت.
ترتبط استمرارية الأعمال وخطط التعافي ارتباطاً وثيقاً بأهداف رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام. فالقطاع الخاص لا يمكن أن يسهم بفاعلية في هذه الرؤية دون جاهزية عالية للتعامل مع الأزمات والمفاجآت. كما أن استقطاب الاستثمارات الأجنبية يتطلب بيئة أعمال آمنة وموثوقة، وهو ما تعززه هذه الخطط بشكل مباشر.
ختاما ..في زمن لم يعد فيه عنصر المفاجأة مستبعداً، تبقى استمرارية الأعمال وخطط التعافي خط الدفاع الأول للشركات والمؤسسات. هي ليست مجرد وثائق نظرية، بل أدوات عملية تضمن البقاء وتمنح الثقة للعملاء والمستثمرين على حد سواء. ومع مضي المملكة بخطى واثقة نحو مستقبلها الطموح، يبقى تعزيز هذه الثقافة في بيئة الأعمال ضرورة لا تحتمل التأجيل.



