وصايا لمنسوبي التعليم


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة ، والسلام على من لانبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : بمناسبة بداية العام الدراسي الجديد أوصي الجميع طلاباً , ومعلمين ، وأولياء أمور ؛ وإداريين , وغيرهم في وزارة التعليم العــام , والجامعي ببعض الوصايا , والآداب التالية :
1-أن يشكر الجميع ربَّنا تعالى وتقدس على ما أولانا به من النعم , وما خصَّنا به تعالى في بلادنا السعودية من الخيرات والمنن ، والتي لاتوجد في كثيرٍ من البلدان ، والدول ، وقد قال الله تعالى : ( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ ) ( النحل : 53 ) ومن تلك النعم التي نعيشها في هذه البلاد المباركة ؛ نعمة العلم ، والتعليم لعقيدة أهل السنة والجماعة ، وتربية النشيء منذ نعومة أظفارهم على شريعة نبينا محمدُ بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه بدءاً بالصفوف الأولى في المرحلة الابتدائية ، وانتهاءاً بالدراسات العليا في المرحلة الجامعية ؛ فلله الحمد من قبل ومن بعد ، وقد أولت دولتنا السعوديةُ حرسها الله العناية الكبرى بدور العلم في بلادها إنشاءً للمدارس والجامعات ، وما يتبع ذلك من إمكانيات ماديةٍ وبشرية ؛ للرقي بالتعليم في المملكة إلى أعلى الرتب ؛ لينشئ أبناء الوطن متسلحين بسلاح العلم والمعرفة شرعيةً كانت أو علميةً أو مِهنيةً تطبيقية ؛ ليكونوا لَبِنَةَ صلاح وإصلاح في بلادهم ومجتمعاتهم ؛ فشكراً لله وحده ثم لولاة أمرنا في بلادنا السعودية ؛ وفقهم الله على هذا الجهد المبذول ‘ والسعي المشكور منذ تأسيس هذه البلاد في دورها الثالث على يد الملك المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود طيب الله ثراه ؛ إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه .
2-من الوصايا المهمة في بداية العام الدراسي الجديد : أن يخلص الجميع لله في أدائهم لرسالة التعليم ؛ طلباً لرضا الله ، ثم قياماً بواجب الأمانة التي كُلِّفها كلُّ أحدٍ على حسب عمله ومسؤوليته ، وقد قـــــــــــال الله تعــــالى : ( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ ) ( الزمر : 2 – 3 ) وليس هناك عبادةٌ أعظم من طلب العلم ، والتعليم ، والإعانة عليه ، وأنَّ مَنْ قلَّ إخلاصه لله في ذلك ، وبان تقصيره فيما حمُِّل من أمانة العلم ، والتعليم وتطبيق أنظمة التعليم في بلاده كان صاحبه عرضةً للوعيد من الله ، في الدنيا والآخرة .
3-من الوصايا المهمة أخي القارئ الكريم : أن يظهر منسوبو التعليم طلاباً ، ومعلمين ، ومسؤولين عنهما بالمظهر اللائق بهم أمام الله ، ثم أمام خلقه ؛ لأنَّ الله فضلهم بهذه الرسالة العظيمة ، على من سواهم ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) ( الزمر : 9 ) وليس معنى ذلك ألا يقع المعلمون ، والطلابُ والموجهون ، وغيرُهم في شيء من القصور في تطبيق أنظمة التعليم ؛ فكلٌّ ذا خطأ ، وكلٌّ ذا قصور ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : { كل بني آدم خطــــاءٌ ، وخيـــر الخطَّائين التوابون } رواه أحمدُ ، وغيرُه ، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع برقم 4515 .
4-من الوصايا أيضاً يا أخي القارئ : اللجوء إلى الله بطلب الإعانة منه سبحانه بالتسديد والتوفيق لقيام كلِّ واحدٍ منَّا بمسؤوليته ، وأمانته التي حُمِّلها ، وعاهد نفسه على إتمامها وكمالها ؛ فالطالب يسأل ربه أن يعينه على حضور الحصص ، والقاعات الدراسية والاستفادة من معلميه ، والتأدب معهم بأحسن الآداب والأخلاق ؛ والمعلم يطلب من ربه أن يزيده علماً على علمه ، وعملاً بما يعلمه من الحق ، وأن يكون قدوةً حسنة لأبناءه وطلابه ؛ وولي أمر الطالبَ يسأَلُ اللهَ أن يصلح له ولده ، وأن يوفقه لمتابعته ، وتأديبه وإرشاده ؛ لما فيه صلاح دينه ودنياه ، وتوفير كل ما يطلبه منه ولده ؛ ليؤديَ رسالة التعليم على أتم وجْهٍ ، وهكذا من سواهم من المسؤولين في وزارة التعليم أن يؤدوا أعمالهم التي كُلفوا بها ، ويسألوا ربهم الإعانة عليها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين : { أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ } .
5-وأخيراً من الوصايا والآداب : أن نحرص جميعاً على العلم الشرعي قراءةً ، وسماعاً ، وجلوساً إلى أهله ، وسؤالهم عما أشكل علينا فيه ؛ وقد بيًّن الله أهميته ، وفضله في كتابه العزيز ، وفي سنة نبينا محمد بن عبد الله عليه من ربه أزكى صلاةٍ وتسليم ، قال الله تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ( العلق : 1 -5 ) وقال تعــــــالى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُـــــــــونَ خَبِيـــــرٌ ) ( المجادلة : 11 ) وقال صلى الله عليه وسلم : { مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ } رواه أحمد ، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم 2117 وقال صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ اللهَ ، وَمَلَائِكَتَهُ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ } رواه الطبراني في المعجم الكبير ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 811 .
والله نسأل أن يوفق أبناءنا الطلاب ، وإخواننا المعلمين في عامهم الدراسي الجديد للعلم النافع ، والعمل الصالح ؛ الذي ترضى به عنهم يا ربَّ العالمين ؛ اللهم حبِّب إلينا جميعاً الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر ، والفسوق ، والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ؛ وآتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ؛ اللهم آمين .