الريح الطيبة


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الرِّيَاح والرِّيْح جندٌ من جنود الملك الجليل سبحانه ، يرسلها متى شاء مُبشِّرات بالخير والنِّعَمِ ، أو محمَّلات بالشرِّ والنِّقم ، وغالباً تأتي الرياح بالخير ؛ والريح تأتي غالباً بالشر ؛ قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( الأعراف : ٥٧ ) وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( الروم : ٤٦ ) وقال تعالى : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ) ( الحجر : ٢٢ ) وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) ( يونس : ٢٢ ) وقال تعالى : ( أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) ( الإسراء ٦٩ ) وقال تعالى : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ) ( فصلت : ١٥ – ١٦ ) .
ولنا يا معشر القراء في موضوع الريح والرياح عدة نقاط نجملها في الأرقام التالية :
١– أنَّ كلاً منهما مخلوقتان مدبرتان بأمر الله تبارك وتعالى ؛ فلا يجوز لنا أن ننسب شيئاً مما يحصل في الكون إليهما من موتٌ أو حياةٍ ؛ وغنىً أو فقر ، وصحةٍ أو مرض ؛ وسعادةٍ أو شقاوةٍ ؛ وخيرٍ أو شرٍ ؛ فكلُّ ذلك لله وحده لاشريك له ؛ المالك لهما حقيقةً ؛ المتصرف فيهما بين عباده بما شاء ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) ( يونس : ٣١ ) .
٢– لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال سبُّ الريح بأي نوعٍ من أنواع السب والشتم ؛ وخاصةً عندما يحصل من الريح ضررٌ ظاهر على الأنفس والممتلكات ؛ لأنها مخلوقةٌ مدبرةٌ من الله تبارك وتعالى : ليس لها من الأمر شيء : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) ( يس : ٥٢ ) ( وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ( الرعد ٤١ ) والساب للريح ؛ سابٌّ لله الخالق لها ، المتصرف فيها كيف يشاء ؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبِّ الريح في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسُبُّوا الرِّيحَ ، فإنَّها من رَوحِ اللهِ تعالَى ، تأتِي بالرَّحمةِ والعذابِ ، ولكِنْ سلُوا اللهَ من خيرِها ، وتعوَّذُوا باللهِ من شرِّها ) رواه ابن ماجه في سننه ؛ وصحح الحديث الألباني في صحيح الجامع برقم ٧٣١٦ .
٣– أن نسأل الله خير ما في هذه الريح ، ونعوذ بالله من شر ما في هذه الريح ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( (لا تسبُّوا الرِّيحَ ؛ فإذا رأيتُم منْها ما تَكرَهونَ ؛ فقولوا : اللَّهمَّ إنَّا نسألُكَ خيرَ هذِهِ الرِّيحِ ، وخيرَ ما فيها ، وخيرَ ما أرسلَت بِهِ ؛ ونعوذُ بِكَ من شرِّ هذِهِ الرِّيحِ ، وشرِّ ما فيها ، وشرِّ ما أُرسِلَت بهِ ) رواه البخاري في الأدب المفرد ؛ وصحح الحديث الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم ٥٥٤ ؛ وفي الصحيحين : ( كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا رَأَى مَخِيلَةً في السَّمَاءِ ، أقْبَلَ وأَدْبَرَ ، ودَخَلَ وخَرَجَ ، وتَغَيَّرَ وجْهُهُ ، فَإِذَا أمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عنْه ، فَعَرَفَتْ عَائِشَةُ ذلكَ ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : ما أدْرِي لَعَلَّهُ كما قالَ قَوْمٌ : ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ) ( الأحقاف : ٢٤ ) .
٤– لله في خلقه شؤون ؛ فهو المتصرف في كونه ، ومخلوقاته كيف يشاء ؛ وقد تمر علينا بعض المواسم ؛ فتكون الأجواء فيها حارّة ومغبرة ؛ وبعضها تكون باردةٌ وممطرة ؛ وبعضها تكون الأرض فيها مخضرةٌ رطبةٌ وبعضها تكون مجدبةٌ ويابسة ؛ فكلُّ شيء عنده تبارك وتعالى بقدرٍ ، وأجلٍ مسمَّى ؛ وما علينا إلا شكر الله عند الخيرات والنعم ؛ والصبر عند الشرور والنقم ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر فكان خيرًا لهُ ، و إن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا ) رواه مسلم في صحيحه .
٥– وأخيرا على المسلم أن يأخذ بأسباب السلامة ؛ والبعد عن أسباب الهلاك والندامة ؛ ومنها الحذر من الخروج من البيوت في أوقاتٍ معينة كحال الغبار الشديد ؛ أو الأمطار الغزيرة ؛ أو الصواعق الخطيرة ؛ أو حال جريان السيول المنقولة ؛ أو غيرها من الأحوال الجوية المتغيرة المضطربة ؛ فالعاقل منا من يأخذ بتوجيهات رجال الدفاع المدني ؛ والمسؤولين في المركز الوطني للأرصاد ؛ حفاظاً على سلامة أنفسنا ، وأولادنا ؛ ومن يعز علينا ، وسائر المواطنين والمقيمين في هذا البلد الأمين ؛ نسأل الله أن يحفظنا بحفظه ؛ وأن يكلأنا برعايته وفضله ؛ وأن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة ؛ وعلى سائر المسلمين ؛ إنَّ ربنا أرحم الراحمين ؛ اللهم آمين .